الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

شرح لامية السموأل




شرح لامية السموأل


إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ

فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديــــــــــــهِ جَميــــــــــــــــلُ
وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها

فَلَيــــــــسَ إِلى حُســـــــنِ الثَناءِ سَبيلُ
تُعَيِّــــــــــــرُنا أَنّا قَليـــــــــــــــلٌ عَديدُنـــــــــــــا

فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِــــــــــرامَ قَليــــــــــــــــــلُ
وَما قَلَّ مَن كانَت بَقايـــــــــــاهُ مِثلَنــــــــــــا

شَبابٌ تَســــــــــــــــــامى لِلعُلا وَكُهولُ
وَما ضَـــــــــــــــرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجــــــــــــارُنا

عَزيــــــــــــــزٌ وَجــــــــــارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
لَنا جَبَــــــــــــلٌ يَحتَلُّــــــــــــــهُ مَن نُجيـــــــرُهُ

مَنيــــــــــــــعٌ يَرُدُّ الطَــــرفَ وَهُوَ كَليلُ
رَسا أَصلُـــــــــــهُ تَحتَ الثَرى وَسَما بِهِ

إِلى النَجـــــــــمِ فَرعٌ لا يُنالُ طَويـــلُ
وَما مــــــــــاتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتـــــــــفَ أَنفِهِ

وَلا طُلَّ مِنّا حَيثُ كـــــــــــــــانَ قَتيلُ
تَسيلُ عَلى حَــــــــــــدِّ الظُباتِ نُفوسُنا

وَلَيسَت عَلى غَيرِ الظُباتِ تَسيلُ
صَفَونا فَلَم نَكــــــــــــــدُر وَأَخلَصَ سِرَّنا

إِناثٌ أَطابَت حَملَـــــــــــــنا وَفُحولُ
عَلَونا إِلى خَيرِ الظُهـــــــــــــــورِ وَحَطَّنا

لِوَقتٍ إِلى خَيرِ البُطـــــــونِ نُزولُ
فَنَحـــنُ كَماءِ المُزنِ ما في نِصابِنا

كَهــــــــامٌ وَلا فينا يُعَــــــــــــــدُّ بَخيــــــلُ
وَأَيّامُنا مَشهــــــــــــــورَةٌ في عَدُوِّنـــــــــا

لَها غُـــــــــــــــــــرَرٌ مَعلومَةٌ وَحُجولُ
سَلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُمُ

فَلَيــــــــسَ سَواءً عالِمٌ وَجَهـــــــــــــولُ

شرح الأبيات :
هذه الأبيات تعد من شعر الفخر فالشاعر يفخر بقبيلته ، وعشيرته وهذا من عادة العرب إذ إن فخره وعزه من عز قبيلته . 
(1)      إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ

فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديــــــــــــهِ جَميــــــــــــــــــــــلُ

اللؤم : اسم جامع للخصال المذمومة , والمعنى أن الإنسان إذا لم يتدنس باكتساب اللؤم واعتياده فأي ملبس يلبسه بعد ذلك كان جميلاً . 

(2)      وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها

فَلَيــــــــسَ إِلى حُســـــــنِ الثَناءِ سَبيلُ

أي إن لم يصبر النفس على مكارهها فلا سبيل إلى اكتساب حسن الثناء وليس معنى الضيم ضيم الغير لهم لأنهم يأنفون من ذلك ويعدونه تذللا . 

تعليق : بدأ الشاعر هذه القصيدة ببيتين من الحكمة وهما من الأبيات الرائعة فالشاعر يقول : إنّ المرء إذا لم يدنس ويلطخ عرضه بمكروه أو قبيح كاللؤم ، فكل ما يرتديه يعد جميلا في نظر الناس فالعبرة إذا ليس بما يلبسه الناس من ملابس فاخرة وإنما العبرة في حفاظ المرء على عرضه من قبيح الصفات ، وكذلك إن هو لم يرفع الظُّلم أو الإذلال ونحوهما على النفس ، فليس له طريق أو سبيل إلى حسن وجميل الثناء من أحد . 

(3)      تُعَيِّـــــــــــــــــــــــــرُنا أَنّا قَليـــــــــــــــلٌ عَديدُنـــــــــــــــــــا

فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِــــــــــرامَ قَليــــــــــــــــــــــــلُ
يقال عيرته كذا وعيرته بكذا والأول المختار المعنى أنها أنكرت منا قلة عددنا فعدته عارا فأجبتها إن الكرام يقلون وقوله إن الكرام قليل يشتمل على معان كثيرة وهي وقوع الدهر بهم وقصد الموت إياهم واستقتالهم في الدفاع عن أحسابهم وإهانتهم كرائم نفوسهم مخافة لزوم العار بهم فكل ذلك يقلل العدد . 

(4)      وَما قَلَّ مَن كانَت بَقايـــــــــــاهُ مِثلَنــــــــــــــــا

شَبابٌ تَســــــــــــــــــامى لِلعُلا وَكُهولُ

الشباب جمع شاب كالشبان وقوله تسامي أراد تتسامي فحذف إحدى التاءين والكهول جمع كهل ضد الشباب . 
 
(5)      وَما ضَـــــــــــــــرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجـــــــــــــــــــــــــــارُنا

عَزيــــــــــــــزٌ وَجــــــــــارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ

وما ضرنا يجوز في ما أن تكون نافية والمعنى لم يضرنا ويجوز أن تكون استفهامية على طريق التقرير والمعنى أي شيء ضرنا . 
تعليق : ينتقل الشاعر إلى غرضه الأساسي وهو الفخر بقبيلته وعشيرته فيقول إنها تعيرنا و تسبنا بقلة عددنا وتربطه بضعفنا وهو أمر سلبي ، فيرد عليها محولا علة قلة عددهم وبأسلوب حكيم عرف عند العرب أن علة ذلك هو الكرم فقومه قليلو العدد لأنهم كرام وهي ميزة ايجابية ، فالكرام حين تعدهم قليل ، قليل هم من كانت بقاياه وما خلفه مثلنا شباب وكهول تفاخروا وتباروا في المعالي والمكارم ،  وما يضرنا ـ والضرر هو ما يلحق الإنسان من مكروه ـ إن كنّا قلة ، مادام جارنا عزيزا وقوياً بنا ، وجار الأكثرين ذليل فهل نفعتهم كثرتهم ؟ وهذا من مفاخر العرب أن يكون الواحد منهم عزيزاً إلى درجة أنه قادر على حماية غيره بحيث يكون جاره عزيزًا .
(6)      لَنا جَبَـــــــــــــــــلٌ يَحتَلُّــــــــــــــهُ مَن نُجيـــــــــــــرُهُ

مَنيــــــــــــــعٌ يَرُدُّ الطَــــرفَ وَهُوَ كَليلُ

قيل إنه أراد بذكر الجبل العز والسمو وقيل إن هذا الجبل هو حصن السموأل الذي يقال له الأبلق الفرد يعني من دخل في جوارنا امتنع على طلابه . 

(7)      رَسا أَصلُـــــــــــهُ تَحتَ الثَرى وَسَما بِهِ

إِلى النَجـــــــــمِ فَرعٌ لا يُنالُ طَويـــلُ

رسا أصله إلى آخر البيت يريد أنه أثبت جبل في الأرض وأعلى طود عليها . 

(8)      وَما مــــــــــاتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتـــــــــفَ أَنفِهِ

وَلا طُلَّ مِنّا حَيثُ كـــــــــــــــانَ قَتيلُ

يقال مات فلان حتف أنفه إذا مات من غير قتل ولا ضرب قيل إن أول من تكلم بقولهم حتف أنفه النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعنى البيت أنا لا نموت ولكن نقتل ودم القتيل منا لا يذهب هدراً . 
تعليق : ومازال يفتخر بشجاعة قبيلته فيقول : إنه ما فينا سيد أو زعيم مات حتف أنفه، أي: مات على فراشه، إنما في المعارك وتحت ظلال السيوف ، وهذه هي حال الشجاعة عند العرب فهي جبلةً وغريزة فيهم، حتى إن العرب كما قال الألوسي وغيره: إنهم كانوا يتمادحون بالموت قطعًا بالسيوف ويتهاجون بالموت على الفراش. فيقولون : فلان مات حتف أنفه - أي مات على فراشه - هذا علامة ذل وسب له ، أما إذا قالوا: فلان مات مقطعاً بالسيف والسنان والرماح والخناجر، واختلفت السيوف في بطنه، كان هذا دلالة على المدح والثناء عليه. قال بعض العرب وقد بلغه موت أخيه: إن يقتل فقد قتل أخوه، وأبوه، وعمه، إنا والله لا نموت حتفاً، ولكن نموت قطعاً بأطراف الرماح وتحت ظلال السيوف . وفي الشطر الثاني يقول ولا فينا أحد ذهب دمه هَدَراً ولم يُثْأَرْ له .
(9)   تَسيلُ عَلى حَدِّ الظُباتِ نُفوسُنا

وَلَيسَت عَلى غَيرِ الظُباتِ تَسيلُ

الظبات جمع ظبة وهي حد السيف قيل أراد بالظبات السيوف كلها فأضاف الحد إليها أي أنهم لشجاعتهم وشرفهم لا يقتلون إلا بالسيوف ولا يقتلون بالعصي ولا بالحجارة كما يقتل رعاع الناس . 

تعليق : هذا البيت تأكيد للبيت السابق في بيان شدة شجاعتهم فيقول نفوسنا على حد السيوف تسيل وتجري لا على غيرها تسيل ، وقوله " نفوسنا من باب المجاز وإنما أراد الدماء لا النفوس ، فالنفوس لا تسيل وإنما الدماء فأطلق الكل وأراد الجزء 

(10)   صَفَونا فَلَم نَكــــــــدُر وَأَخلَصَ سِرَّنا

إِناثٌ أَطابَت حَملَـــــــــــــنا وَفُحولُ

المراد بالسر هنا الأصل الجيد ومعنى ذلك صَفَتْ أنسابُنا فلم يشُبْها كدر.  أي أننا من أصل طيب كريم

(11)   عَلَونا إِلى خَيرِ الظُهـــــــــورِ وَحَطَّنا

لِوَقتٍ إِلى خَيرِ البُطـــــــونِ نُزولُ

علونا إلى آخر البيت يشير به إلى صريح نسبهم وخلوصه مما يحط بشرفهم . 

(12)   فَنَحـــنُ كَماءِ المُزنِ ما في نِصابِنا

كَهــــــــامٌ وَلا فينا يُعَـــــــــــــــــــدُّ بَخيــــــلُ
كماء المزن يريد بذلك تشبيه صفاء أنسابهم بصفاء ماء المطر والنصاب الأصل ومنه نصاب السكين والكهام الكليل الحد وهو مجاز عن الضعيف هنا يقول نحن كماء الوزن وكل منا نافذ ماض ولا فينا بخيل فيعد مع البخلاء وهذا نفي للبخل رأساً . 

(13)   وَأَيّامُنا مَشهـــــــــــــــــــــــورَةٌ في عَدُوِّنـــــــــا

لَها غُــــــــــــــــــــــــــرَرٌ مَعلومَةٌ وَحُجولُ

الحجول جمع حجل وهو هنا البياض يكون في قوائم الفرس والكلام على التشبيه يقول وقعاتنا مشهورة في أعدائنا فهي بين الأيام كالأفراس الغر المحجلة بين الخيل . 

 تعليق : وفي نهاية القصيدة يثبت كل ما افتخر به فيقول : إنّ أيامنا معروفة ومشهورة في عدونا أي يعرفها عدونا لما ناله منا ، فهي بيضاء واضحة مشهودة لذا عبر عنها بالغرر والحجول فالغرر هو البياض فيقال غرر الأسنان أي : بياضها ، والحجول من التحجيل وهو بياض يكون في قوائم الفرس وكلاهما كناية عن البياض والوضوح .   


(14)                     سَلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُمُ

فَلَيـــــــــــــــــسَ سَواءً عالِمٌ وَجَهـــــــــــــولُ

  ثم يقول تخبري معناه إن كنت جاهلة بنا فسلي الناس تُخْبَرِى بحالنا فالعالم والجاهل مختلفان . 

دراسة الأبيات دراسة أدبية تحليلية
 أولا : من حيث الأسلوب والمعاني :
 
هذه القصيدة من الشعر الجاهلي وإن اُختلف في من هو قائلها ، تحدث الشاعر فيها كما هي عادة الشعراء عن أهم موضوع يشغل الشعراء في ذلك العصر ألا وهو الفخر وقد صاغ هذه المعاني بأسلوب قوي رصين بدأها ببيتين في الحكمة .

ثانيا : من حيث العبارات والألفاظ :

عبارات الشاعر قوية معبرة عن المعنى المقصود ساق هذه العبارات بألفاظ قوية فصيحة وفي نفس الوقت نراها سهلة مناسبة للمعنى ومن تلك الألفاظ " عزيز و جار الأكثرين ذليل ، "وما مات منا ميت في فراشه 
حتى أن القصيدة كلها على هذا المنوال .

ثالثا : العاطفة :

عاطفة الشاعر عاطفة مدح فخر بقبيلته فمن الطبعي أن تكون العاطفة صادقة نقلت مشاعره وفخره إلينا نحن كقراء .

رابعا : الصور البلاغية :

قد لا يكون الموضوع والمعنى بحاجة إلى استخدام الصور البلاغية أو الجمالية ومع ذلك فالقصيدة لم تخل من هذه الصور وخاصة الكناية ومن هذه الصور على سبيل المثال لا الحصر 
الأسلوب الحكيم في قوله : " فقلت لها .. إن الكرام قليل " حيث علل قلة عددهم لكرمهم 
الطباق والمقابلة في قوله " أنا قليل وجارنا عزيز و جار الأكثرين ذليل
الكناية في قوله : " تسيل على حد الظبات نفوسنا وليس على غير السيوف تسيل كناية عن شجاعتهم .
المجاز في قوله " تسيل نفوسنا " فعبر عن الكل وهو أراد الجزء " الدم.


 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

سلامٌ إليكِ

سلامٌ إليكِ                         شعر : علاء دياب سلامٌ إليكِ في كلِّ حيــــن فَأَنْتِ الحقيقةُ لو تُدركيــن وأنتِ ...