الأربعاء، 23 مايو 2018

رحلات عجيبة في البلاد الغريبة





الكاتبة :  سونيا نمر




د. سونيا نمر، أستاذة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت، تكتب لليافعين ولها 9 مؤلفات، آخرها "رحلات عجيبة في البلاد الغريبة"، حازت على دكتوراة في التاريخ من جامعة إكسيتر البريطانية، وحصدت عدّة جوائز عالمية لأدب الأطفال.
سونيا نمر هي كاتبة أدب أطفال وحكواتية فلسطينية ، بدأت الكتابة للأطفال أثناء وجودها في سجن إسرائيلي ، وواصلت حرفة الكتابة وترجمة الكتب ، إلى جانب عملها مسؤولة تعليم في المتاحف في لندن.
لها إصدارات عديدة لدى مؤسسة تامر منها «ملك الحكايات وزلوطة» و«مختار أبو أذنين كبار» للأطفال و«قطعة صغيرة من الأرض» لليافعين.
أصدرت 16 كتابًا للأطفال، وقد حظيت روايتها «قطعة صغيرة من الأرض»، التي شاركتها في تأليفها إليزابيث ليرد، بتقدير كبير، لها مجموعة من الحكايات الأسطورية الفلسطينية، التي تتصف بروح الدعابة، مثل «الغول غدار»، وغيرها.
كتبت سونيا نمر القصص الشعبية بالعامية العربية، فازت روايتها «رحلات عجيبة في البلاد الغريبة» الموجهة لليافعين بجائزة اتصالات لكتاب الطفل.




قراءة في رواية "رحلات عجيبة في البلاد الغريبة"
مراجعه وتحليل:علي عبد الجبار موقدي

 "رحلات عجيبة في البلاد الغريبة" للكاتبة سونيا نمر رواية جميلة  رصينة اللغة والصور والتراكيب تدخلك في عالم من المغامرة والرعب أحيانا , تشتت مشاعرك بين التوجس والتشتت والخوف والحب واليأس والأمل صعودا وهبوطا , اخذ البحر حيزا كبيرا من مساحتها ربما لعب الزمان والمكان دورا كبيرا في هذا كونها تدور في أماكن يربط البحر بينها بعلاقات الجغرافيا والتاريخ تجاريا وسياسيا .
طرحت هذه الرواية قضية العلم والقراءة مقابل الجهل والتخلف فهي تقدم لنا صراعا جدليا بين الشعوذة والكهانة والتخلف مقابل العلم والنور وصحة الإيمان:(كانت اللعنة كبيرة وكارثية فمنذ خمسين عاما لم تلد نساء القرية سوى الذكور حتى الأغنام تلد ذكورا فبدأ الخوف يسيطر على الرجال .... ص11) وربما هنا أرادت ان تبين احتياج الرجل لهذه المراة التي يظلمها ويكبتها وكيف ان الحياة لا يمكن ان تستمر بدونها عله يرجع عن ظلمه وقسوته بحقها.

لم يفلح طبيب الاعشاب في ايجاد حل ولم تجد اقامة الصلوات الخاصة , وبالرغم من الاضحيات والعجول المذبوحة بقيت اللعنة جاثمة فوق القرية ...ص12 (ظل مجلس الشيوخ يرفض السماح للرجال بالزواج من خارج القرية ظنا منهم انهم اذا امسكوا بسليمان الهارب وقدموه اضحية فان اللعنة سوف ترفع عنهم,,, ص12)

لكن امرأة متعلمة –ليس الرجل طبعا – هي من اكتشفت السر وسبب هذه المشكلة عن طريق القراءة ومطالعة الكتب فقد اكتشفت ان القضية لم تكن لعنة كما ظن اهل القرية تخلفا منهم ولكنها كما جاء في ص30 من الرواية:( شجرتكم المقدسة يا سعيد!هذه الشجرة تفرز مادة تؤثر على جنس الجنين كل الذكور الرجال الحمير الغنم الخيل وحتى الحشرات ... ص30 )
( وَجَدْتُ مادة في الأوراق تؤثر على جنس الجنين انتظر هنا ) ثم ذهبت مسرعة الى حجرة الكتب وأحضرت كتابين ففتحت الاول "انظر اليس هذه شجرتكم؟" وفتحت الكتاب الثاني"وهاهي أيضا" وأعطته الكتابين وقالت له"اقرا ما هو مكتوب هنا" وأشارت الى الصفحات .....ص31
 هذا توضيح لدور العلم في زمن الجهل, والفرق بين القارئ المتعلم وغير المتعلم الذي يستسلم لكل أسطورة وكل شعوذة على أنها من المسلمات وهذا هو دور المرأة المتعلمة الرافضة للواقع المظلم مقابل المرأة الخانعة المستسلمة لقوانين الرجال وشيوخ القرية المتخلفين  وهذا يطرح قضية مهمة وهي أهمية تعليم المرأة لتعي حقوقها ولتعرف واجباتها . لقد نجحت الكاتبة بشكل كبير في إيصال هذه الفكرة  

طرحت ايضا قضية ظلم المرأة وحبسها ومنع تعليمها ومعاملتها القاسية جاء في ص10 من الرواية:(أما البنات فقد كن ممنوعات من التعليم ومحرم عليهن الاقتراب من الكتاب خوفا من أن ينجس وجودهن المكان...ص10)
 هذا النص يعيدنا إلى العصور الوسطى الأوروبية والتي كانت تنظر إلى المرأة بأنها رجس وأنها سبب الخطيئة وأنها تحمل روحا شيطانية.
 قدمت الكاتبة عدة نماذج للمرأة في هذه الرواية فنحن نرى في الرواية المرأة المغامرة والتي تمثلت في بطلة الرواية وكذلك المرأة الحنون المتعلمة التي تتعب لتربية بناتها وقد تمثلت في أمها والمرأة عصبية المزاج والتي ترهقها بالطلبات بغلظتها المعتادة والتي تمثلت في زوجة المعلم الذي رحلت إليه في المغرب ليعلمها, والمرأة المتسلطة الغبية والتي تمثلت في زوجة المهراجا الهندية والمرأة الخادمة والمرأة الأميرة والتي تمثلت في أميرة سيلان والمرأة الملكة والتي تمثلت في ملكة مصر ، كذلك المرأة النِكَدية والتي تمثلت في قريبة زوجها . معظم هذه النتائج باستثناء أمها والمرأة التي كانت تهتم بها بعد غرق سفينتها والملكة الطيبة نستطيع القول أنها قدمت لنا نماذج غير موفقة للمرأة في روايتها هذه حتى ملكة مصر التي أحبتها فشلت في الاستمرار في الحكم بسبب رفضهم أن تحكمهم امرأة وربما استحضرت هنا شجرة الدر التي حكمت مصر في مرحلة مضطربة وكان مصيرها القتل وهذا ربما يوحي لنا بزمن أحداث هذه الرواية وأنها ربما جرت في عصر المماليك ,ونستدل على ذلك أيضا من استخدام مصطلحات( زوايا وتكايا وبيمارستان ص62) حين تحدثت عن بناء الملكة الجديدة في مصر لهذه المنشات والتي اشتهر بها العصر المملوكي. ومحاولتي هذه لمعرفة زمن أحداث الرواية لأني رأيت أن الكاتبة تركته مجهولا سواء بقصد أو بغير قصد.

 
قدمت لنا الكاتبة مغامِرة أنثى على عكس ما تعارفنا عليه من قصر المغامرة على الذكور ربما أرادت بذلك أن تثبت قدرة الأنثى على المغامرة  كما الرجال رغم أنها في مرحلة ما من هذه الرواية اضطرت أن تلجأ إلى هذا الذكر وان تختبئ خلفه بأن تلبس ملابسه وحتى أن تصنع شيئا يُمَكِّنُها من التبول مثله. وربما يشكل هذا إخفاقا من وجهة نظري لمحاولتها هذه اختراق المألوف وهو سيادة الذكور في حقل المغامرة وذلك لأنها غامرت من خلال عباءة هذا الذكر ، إذ هو يستطيع المغامرة بدونها ولكنها يجب أن تمر من خلاله وهذا ما حصل في هذه الرواية.

هذه الفتاة الفلسطينية بطلة الرواية قدمت لنا بطريقة أكثر انفتاحا عما هو عليه حال المرأة في ذلك الزمان من العزلة وعدم الخروج والانكماش, فبطلة الرواية تسافر وحدها / تكشف رأسها , تلبس فستانا أحمر لرجل غريب عنها / ترتمي على صدره وتضمه ، لا ترى مشكلة من وقوف رجل عارٍ أمامها (وقف فجأة أمامي فاحمر وجهي ص80)  ......... الخ/ (هذه اللحظة قد أتت سأرتمي في حضنه سأقبله على وجهه وسوف ....... ) ص97.

هذه الصورة غريبة وشاذة وغير مقبولة في عصر كذلك العصر كلنا يعرف تفاصيله وقوانينه الصارمة بحق المرأة وهو الذي جعل الأميرة تتساءل : ( ماذا تفعل امرأةٌ عربيةٌ تسافرُ وحدَها ؟؟ .... ص203)
 حضرت الصحراء أيضا حضورا لافتا في ثناياها , فقد كانت شريكة البحر في صناعة مأساتها(سرقها اللصوص في الصحراء / عاشت بين القراصنة وعايشت حروبهم ورأت الرعب بأم عينها بل أصيبت أحيانا في إحدى معاركهم  /غرقت سفينتها في البحر وفرق البحر بينها وبين كل من زوجها وبنتها. شكَّلت الصحراءُ ضياعها وشكَّل البحرُ مأساتِها رغم أنَّها كانت تُفَضِّلُ في مرحلة ما السفر عبر الصحراء خوفا من البحر وركبت البحر رغبة في سرعة الوصول.


 رغم ذلك فقد قدم لها البحر والصحراء خدمة ربما محاولة منهما التكفير عن ذنوبهما بحقها فقد أوصلاها إلى حبيبها بعد زواجها ( اتَّجّهْتُ إلى الشرق مع إحدى القوافل حيث تنتظرني رحلة لا تقودني إلى مصير مجهول بل إلى رجل أحب وحياة فيها استقرارٌ وهدوء ,حيث ستكون نهاية المطاف بالنسبة لي ....... وجدته ينتظرني بشوق وحملني إلى بيته / ص116) بالفعل لقد أوصلاها إلى زوجها هذه المرة دون أي مغامرة أو مصيبة .
شكلت القرية عذابها وعزلتها وفقد والديها حتى تشعرك بأنها تعيش في صندوق مظلم يضيق عليك كل لحظة محاولا سحق أعضائك,  لكن المدينة شكلت انفتاحها وحبها وعتقها من العبودية التي أوقعتها بها الصحراء , كما شكلت أيضا راحتها واطمئنانها بلقاء حبيبها الذي أضاعه البحر إذ حطم السفينة بهم.
 قدمت لنا مشاهد سينمائية حقيقية (صرخت أحاول أن أوصل صوتي إليه في صوت الريح والمطر ......... ص128 )
 كأنهم أمامك على الشاشة فوق ظهر السفينة تشاهد الأمطار الغزيرة والرياح العاتية وهي تلعب بهم يمنة ويسرة وقد عمت الفوضى في كل مكان .......... مشهد مصور تصويرا سينمائيا يمكنك تخيُّله.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

سلامٌ إليكِ

سلامٌ إليكِ                         شعر : علاء دياب سلامٌ إليكِ في كلِّ حيــــن فَأَنْتِ الحقيقةُ لو تُدركيــن وأنتِ ...