السبت، 2 فبراير 2013

معبر رفح

معبر رفح

كتبها علاء دياب ، في 13 يونيو 2011 الساعة: 08:21 ص



معبر رفح

عندما انتقلت للعمل في هذا المكان الجديد كانت هناك رهبة كامنة في صدري ، رهبة من المجهول تجول في مخيلتي ، ولكن عندما رأيته يستقبلني بوجهه البشوش ، وبابتسامة ترتسم على وجهه المضيء الذي رسم الزمن عليه علامات الشيب والوقار ، أحسست أنني قد عدت إلى الوطن ، وأن والدي يستقبلني فرحًا بعودتي ، فزالت الرهبة عندما نظرت في عينيه.

هو رئيس قسم اللغة العربية بالمدرسة ؛ الأستاذ / عمر … فلسطيني الجنسية ؛ رجل جاوز الستين من عمره ببضع سنوات ، قابلني مقابلة الوالد لولده ، فزرع في قلبي الثقة والاطمئنان ، وعندما علم أنني مصري ازداد وجهه بشرًا وقال لي : أحب مصر وأرض مصر وشعب مصر ، وأفدي مصر وشعبها بروحي ودمي .


ازداد التقارب بيننا يومًا بعد يوم ، بدأنا نتجاذب أطراف الحديث ، علمت خلالها أن الأستاذ عمر قد عاش في مصر سنوات طويلة ، تخرج في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ، تزوج بفتاة مصرية من قرية ( كفر بولين ) بمدينة كوم حمادة بمحافظة البحيرة – وهي بلدة الأديب الكبير محمد عبد الحليم عبد الله - ، عاش في مصر سنوات طويلة ، تلون بلون أرضها ، وجرى ماء النيل في عروقه مختلطًا بدمائه ؛ فأحب مصر بل عشقها ، وأنجب من زوجته المصرية ثلاثة أبناء : ولدًا وبنتين .


سافر للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة مدرسًا للغة العربية بوزارة التربية والتعليم ، كان ذلك في ثمانينات القرن المنصرم ، تخرج على يديه أجيال وأجيال من الطلاب العرب من مختلف الجنسيات ، كان يعيش حياته كأي مغترب مصري ، يقوم بتحويله أمواله إلى مصر لزوجته وأبنائه ، يحاول أن يشتري شقة أو بيتًا في مصر فلا يستطيع أن يشتري باسمه لأن القانون المصري يمنعه من ذلك ، فيشتري باسم زوجته المصرية – فهي زوجته وأم أولاده - ، ومنذ سنوات بلغ الأستاذ عمر الستين من عمره ، فأحيل إلى التقاعد ، وعندما حاول دخول مصر ليعيش مع زوجته وأولاده الذين تخرجوا من الجامعة وتزوجوا في مصر فالابن تزوج من مصرية والبنتان تزوجت كل منهما من شاب مصري ، وأصبح أحفاده مصريين ، وعندما حاول العودة إلى مصر بعد التقاعد وجد بعض الصعوبات في ظل النظام الديكتاتوري السابق في عهد الطاغية مبارك وزبانيته .
ظل في دولة الإمارات ، بحث عن عمل بعد تقاعده حتى التحق بالعمل رئيسًا لقسم اللغة العربية بإحدى المدارس الخاصة بدبي .
جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير ، وانتهى عصر الظلم والطغيان ، وخرج الفلسطينيون في كل مكان يحتفلون مع المصريين بانتصارهم على الظلم والطغيان وانتهاء عهد مبارك الظالم الذي أبعد مصر عن شقيقاتها من الدول العربية .
وجاء القرار المصري التاريخي الصادر عن المجلس العسكري يوم 25/5/2011 بفتح المعبر بدون قيود، وبتسهيلات غير مسبوقة، ليعيد إحياء القطاع، ويجفف دموع مليون ونصف في غزة، ويكتب من جديد تاريخاً مصرياً ودوراً داعماً للقضية الفلسطينية.


وقصة المعبر تبدأ في 15 يونيو 1967 شرعت إسرائيل في مد أسلاك شائكة بطول 12 كم على المسافة من العلامة 1 على ساحل البحر المتوسط إلى العلامة 7 وأقامت بوابة دخول وخروج، وتحولت إجراءات العبور إلى إجراءات رسمية يحكمها الذل والقهر والانكسار الشديد ولابد على من يدخل أو يخرج لغزة أن يمر من معبر رفح أو يتسلل عبر الأسلاك الشائكة بشرط نجاته من رصاص القناصة.


وفى يوليو 2007 تم اتفاق بين مصر وفلسطين على أن يعبر الفلسطينيون من معبر كرم أبو سالم ” كيرم شالوم “بدلاً من رفح أو بيت حانون “اريز ” وهى المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل، ولكن حماس رفضت ذلك، لأن معناه أن غزة محتلة وكل من يدخل أو يخرج يمكن القبض عليه، خاصة وأن معظم أعضاء حماس مطلوبون من إسرائيل، وبالتالي استمر الحصار على قطاع غزة، وانتشرت ظاهرة الأنفاق لتهريب البضائع والأسلحة وحتى البشر.


شعر الأستاذ عمر بأن الأزمة قد أوشكت على الانفراج ، عندما علم بأن حكومة الثورة قامت بفتح معبر رفح ليدخل الفلسطينيون إلى بلدهم الثاني مصر دون عوائق ، وازدادت سعادته عندما قررت الحكومة المصرية منح أبناء المصريات المتزوجات من الفلسطينيين الجنسية المصرية ، وقد قام أبناؤه بتقديم طلباتهم وهم الآن في انتظار الحصول على الجنسية المصرية .


ها هو العام الدراسي قد أوشك على الانتهاء ، والأستاذ عمر في شوق للسفر إلى مصر لرؤية زوجته وأبنائه وأحفاده ، يذهب إلى مكتب مصر للطيران ليقوم بالحجز للسفر إلى مصر ، يخبره الموظف بأنه لا يستطيع دخول مصر إلا بعد أن يقوم بتجديد إقامته بدولة الإمارات .


الأستاذ عمر يشرح للموظف أنه حاليا يقوم بإجراءات تجديد الإقامة ، وأن السفر سوف يكون بعد شهر أو أكثر ، ووقتئذ سوف يكون انتهى من تجديد إقامته ، ولكن الموظف يصر على رأيه .
( موظف من بقايا عهد مبارك الفاسد ما زال يتمسك بقانون الظلم والطغيان )


يطلب الأستاذ عمر مقابلة مدير المكتب ، وبالفعل تتم المقابلة ، ويشرح له الأستاذ عمر الموقف ، وأنه يقوم بتجديد الإقامة حاليا وسوف تنتهي الإجراءات خلال أيام ؛ إلا أنه في حاجة للحجز في أسرع وقت لأن هذه الفترة من العام الإقبال فيها على السفر إلى مصر يتزايد بسبب عودة المعلمين وغيرهم إلى مصر لقضاء الإجازة الصيفية ، ويطلب الأستاذ عمر من المدير أن يأخذ أي ضمانات حتى يقوم بتجديد الإقامة .
أمام كلمات الأستاذ عمر المؤثرة ، ووقاره الذي يبدو من خلال سنوات عمره وشعره الذي يزينه المشيب لا يجد مدير المكتب أمامه إلا الموافقة على الحجز للأستاذ عمر ، على أن يقوم بتجديد إقامته قبل السفر .
عاد الأستاذ عمر إلى المدرسة ، وحكى لي ما حدث ، كادت الدموع تنهمر من عيني ، وأنا أستمع إلى كلماته المؤثرة.
إذا كان الأستاذ عمر قد استطاع أن يحجز للسفر إلى مصر ؛ فهناك الآلاف من الأخوة الفلسطينيين لم ولن يستطيعوا دخول مصر بسبب قيود وهمية وضعتها الحكومة المصرية منذ سنوات وما زالت تنفذ في ظل وجود بقايا النظام الفاسد
كيف يتم منع إنسان من زيارة أهله في مصر مهما كانت جنسيته ، وما أكثر الأدلة والقرائن التي يحملها وتثبت صحة كلامه ، عقد زواجه من زوجته المصرية – شهادات ميلاد أولاده وأحفاده …… إلخ ؟!
أبعد كل هذا نمنعه من رؤية أبنائه وأحفاده بسبب تطبيق لوائح وقوانين بشرية ما لها من سلطان ؟!
لماذا تظهر الحكومة لنا خلاف ما تبطن ؟!
لماذا يتم الإعلان أنه قد تم فتح المعابر للأخوة الفلسطينيين بتسهيلات كبيرة وما يحدث خلاف ذلك ؟!
أسئلة عديدة أضعها أمام كل مصري وأما شباب الثورة الأبطال حتى لا يتم وأد ثورتهم وهي ما زالت في المهد بقرارات وهمية وادعاءات لا أساس لها من الصحة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

سلامٌ إليكِ

سلامٌ إليكِ                         شعر : علاء دياب سلامٌ إليكِ في كلِّ حيــــن فَأَنْتِ الحقيقةُ لو تُدركيــن وأنتِ ...