الخميس، 13 مارس 2025

انْحِدَارُ الأَخْلَاقِ لَدَى الطُّلَّابِ فِي العَصْرِ الحَدِيثِ: الأَسْبَابُ وَالحُلُولُ

 


انْحِدَارُ الأَخْلَاقِ لَدَى الطُّلَّابِ فِي العَصْرِ الحَدِيثِ: الأَسْبَابُ وَالحُلُولُ

إنَّ الأَخْلَاقَ هِيَ العِمَادُ الأَسَاسِيُّ لِبِنَاءِ المُجْتَمَعِ، وَهِيَ مِيزَانُ تَقَدُّمِ الأُمَمِ وَازْدِهَارِهَا. وَقَدْ شَهِدَ العَصْرُ الحَدِيثُ انْحِدَارًا كَبِيرًا فِي القِيَمِ الأَخْلَاقِيَّةِ لَدَى الطُّلَّابِ، مِمَّا أَثَّرَ بِشَكْلٍ سَلْبِيٍّ عَلَى العَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَأَثْمَرَ جِيلًا يَفْتَقِرُ إِلَى مَبَادِئِ الأَمَانَةِ وَالإِخْلَاصِ فِي طَلَبِ العِلْمِ.

أَسْبَابُ انْحِدَارِ الأَخْلَاقِ لَدَى الطُّلَّابِ

يُعْزَى تَدَنِّي المُسْتَوَى الأَخْلَاقِيِّ لَدَى الطُّلَّابِ إِلَى مَجْمُوعَةٍ مِنَ العَوَامِلِ، أَبْرَزُهَا:

1.  التَّرْبِيَةُ الأُسَرِيَّةُ الضَّعِيفَةُ: فَالكَثِيرُ مِنَ الأُسَرِ أَصْبَحَتْ تُرَكِّزُ عَلَى الجَانِبِ الأَكادِيمِيِّ لِلأَبْنَاءِ، مُهْمِلَةً تَزْكِيَةَ أَخْلَاقِهِمْ وَتَصْحِيحَ سُلُوكِيَّاتِهِمْ.

2.  التَّقَدُّمُ التِّكْنُولُوجِيُّ وَأَثَرُ الإِنْتَرْنِتِ: فَالوُصُولُ المُفْتَوْحُ إِلَى مَوَاقِعَ تَحْمِلُ أَفْكَارًا مُنْحَرِفَةً وَقِيَمًا دَخِيلَةً يُسَاهِمُ فِي تَشْوِيهِ الفِكْرِ وَتَشْجِيعِ السُّلُوكِيَّاتِ السَّيِّئَةِ.

3.  تَدَنِّي دَوْرِ المُعَلِّمِ وَالمَدْرَسَةِ: فِي السَّابِقِ، كَانَ المُعَلِّمُ يُشَكِّلُ قُدْوَةً فِي العِلْمِ وَالأَخْلَاقِ، أَمَّا اليَوْمَ فَقَدْ تَرَاجَعَتْ هَيْبَةُ المُعَلِّمِ وَضَعُفَ دَوْرُ المَدْرَسَةِ فِي غَرْسِ القِيَمِ.

4.  التَّأْثِيرُ السَّلْبِيُّ لِلأَقْرَانِ: فَالصُّحْبَةُ السَّيِّئَةُ لَهَا دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي جَرِّ الطُّلَّابِ نَحْوَ مُخَالَفَةِ الأَخْلَاقِ السَّوِيَّةِ وَاتِّبَاعِ أَسَالِيبِ الغِشِّ وَالكَذِبِ وَالسُّرْقَةِ.

النَّصَائِحُ المُوَجَّهَةُ لِأَوْلِيَاءِ الأُمُورِ

لِمُوَاجَهَةِ هَذَا التَّدَهْوُرِ الأَخْلَاقِيِّ، يَجِبُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الأُمُورِ أَنْ يَتَّبِعُوا عِدَّةَ خُطُوَاتٍ مُهِمَّةٍ، مِنْهَا:

1.  تَعْزِيزُ القِيَمِ الدِّينِيَّةِ وَالأَخْلَاقِيَّةِ فِي البَيْتِ: فَتَرْبِيَةُ الأَبْنَاءِ عَلَى الصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ وَالإِخْلَاصِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ هِيَ الأَسَاسُ لِبِنَاءِ شَخْصِيَّةٍ مُتَّزِنَةٍ.

2.  المُرَاقَبَةُ الذَّكِيَّةُ وَالمُوَجِّهَةُ: يَجِبُ مُتَابَعَةُ سُلُوكِيَّاتِ الأَبْنَاءِ وَضَبْطُ سُلُوكِهِمْ دُونَ التَّدَخُّلِ الزَّائِدِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى تَمَرُّدِهِمْ.

3.  التَّوْجِيهُ لِصُحْبَةِ الصَّالِحِينَ: فَاخْتِيَارُ الصَّدِيقِ الصَّالِحِ يُسَاعِدُ فِي تَعْزِيزِ الأَخْلَاقِ وَالقِيَمِ الحَمِيدَةِ.

4.  القِرَاءَةُ وَالتَّوْعِيَةُ المُسْتَمِرَّةُ: تَشْجِيعُ الأَبْنَاءِ عَلَى قِرَاءَةِ الكُتُبِ وَالمَوَادِّ الَّتِي تُزَكِّي النَّفْسَ وَتُعَزِّزُ الفِكْرَ المُسْتَنِيرَ.

 

إِنَّ العَمَلِيَّةَ التَّعْلِيمِيَّةَ لا تَقْتَصِرُ عَلَى تَلَقِّي المَعْرِفَةِ فَقَطْ، بَلْ تَشْمَلُ أَيْضًا غَرْسَ القِيَمِ وَالأَخْلَاقِ. فَإِذَا لَمْ يَتَرَبَّ الطُّلَّابُ عَلَى الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ، فَإِنَّ العِلْمَ لَا يُؤَدِّي دَوْرَهُ الحَقِيقِيَّ. وَمِنْ هُنَا يَتَحَتَّمُ عَلَى الأُسْرَةِ وَالمَدْرَسَةِ وَالمُجْتَمَعِ أَنْ يَتَعَاوَنُوا فِي إِعَادَةِ بِنَاءِ الجِيلِ القَادِرِ عَلَى حِمَايَةِ القِيَمِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَى الثَّوَابِتِ الدِّينِيَّةِ وَالأَخْلَاقِيَّةِ.


الثلاثاء، 4 مارس 2025

ماذا عَن القومِ؟! لا عادُوا، ولا وَصَلُوا - عبد الله البردوني

 

إبداع يفوق الخيال ... 

قصيدة الشاعر اليمني الكبير/ عبد الله البردوني

ماذا عَن القومِ؟! لا عادُوا، ولا وَصَلُوا


ولا عَلِمنا بأيِّ الأرضِ قد نَزَلوا

هل أحرَزوا النصر؟ أين الريحُ تُخبرنا

ما عادت الريحُ بالأخبارِ ترتحلُ

 زادُوا على تَعَبي خَوفاً ومَسكَنَةً

 جادُوا عليّ، ألا يا ليتهم بَخِلوا

 يا سامُ أَسألُ نفسي مَحضَ أسئلةٍ

أرجو الجوابَ، ولكن تَبخَلُ الجُملُ

 يَموت فيها كلامُ الشعرِ في لغتي

 وفي شفاهِ العذارى تُنحَرُ القُبَلُ

 ماذا أقولُ لِصنعا حين تسألني

عنهم، أَلَم تَدرِ صنعا أنهم ثَمِلُوا؟

تبكي وتندب قومًا كلما خرجوا

من مَعبرٍ مظلمٍ في مِثلِهِ دَخلوا

كأنهم وسْط نارِ الحرب موقدُها

في الأرض، ما خُلقوا إلا لِيقتتلوا

 يا سامُ قُم لترى صنعاءَ منهكةً

طغى عليها الفتى الملعونُ والعِللُ

 تدورُ حولَ مفاهيمٍ مُزيفةٍ

 

كما تَدورُ على العصّارةِ الإبلُ

يا سامُ قُم لِتَرى صنعاءَ مُوجَعةً

تُبدِي الدموعَ، فَتُبدي صَمتَها الدولُ

بكاؤُها اليومَ يُبكي كُلَّ ذي خلدٍ

وخلفهُ نفخةٌ يَرمِي بها الأزلُ

وأنتَ تَسكن في قبرٍ، وتترك ما

بَنيتَ، والأرضُ جرحٌ ليس يندملُ

 يا سامُ قُم لترى صنعاءَ، إِنَّ بها

قوماً يزيدون جوعًا كلما أكلوا

ذئبٌ تَذمَّر مِن ظُلم الحياةِ، ومن

جَورِ القويِّ وفي أنيابهِ حَملُ

لا شأنَ لي بعليٍّ أو معاويةً

ولا بمن رفضوا حكمًا ومَن قبِلوا

شيخٌ يُفتّش في التوراةِ ليس له

 شغلٌ سوى المدحِ في أمجادِ مَن رحلوا

 أتى لِيُشبعَ جُوعِي ثم أشبعني

مَوتاً، وها أنذا في القبر احتفلُ

 أتى يُضمّد جرحي ثم وسَّعَهُ

نجاسةٍ بلعابِ الكلب تَغتَسِلُ

تقولُ صنعا بأن الحظَّ يكرهُها

 وإن دَنَت مِن سبيلٍ أغلِقت سُبلُ

قالت لنا: ذاك ربي، ذاك أكبرُهُم

جهلاً بهم، ثم تابَت بعدما أفلوا

المشتري بائعٌ، والأرضُ واقفةٌ

 قل لي لمن تنشد الأشعارَ يا زُحلُ؟

هم يَكذبون عليها كلما نَطَقوا:

 نحن العروبةُ يا صنعا.. ونَحن أُولُو

 سنَقتل الظلمَ غدراً لا مقارعةً

وحين تؤمِنُ صَنعا تَكفُرُ الحِيلُ

وحين تَسمعُ ما قالوه يُخجلها

سَماعُهُ، والذي قالُوهُ ما خَجلوا

يا سامُ قُم لِترى صنعاءَ أغنيةً

بغى على لحنِها التقليدُ والمللُ

كانت تفوحُ بطِيبٍ ثم حوّلها

إلى دُخَانٍ، وأضحى يُضرَبُ المَثلُ

 الداءُ من جهةٍ، والفقرُ من جهةٍ

 والشَّرُّ مُنفَتحٌ، والخيرُ مُنقَفِلُ

ما للظفائر يا بلقيسُ تأكلها

نارٌ بها هذه من تلك تشتعلُ

عودي كما كنت أُمّاً كي أعودَ أباً

 منك البخور ومني البنُّ والعسلُ

يا مَن يُعلمني نحوًا وتَوريةً

تعال أخبِرْكَ ماذا يَصنع البَدلُ

لا تَحسبِ الأرضَ عن إنجابِها عَقِرت

مِن كُلِّ صَخرٍ سَيأتي لِلفِدا جَبَلُ

فالغصنُ يُنبتُ غصناً حين نَقطعه

والليلُ يُنجبُ صبحًا حين يَكتملُ

سَتمطر الأرضُ يَوماً رغم شِحّتِها

ومِن بطونِ المآسي يُولَدُ الأملُ

 

 

إِيَّاكَ أَنْ تُؤْذِيَ أَحَدًا فِي رِزْقِهِ

 

إِيَّاكَ أَنْ تُؤْذِيَ أَحَدًا فِي رِزْقِهِ


الرِّزْقُ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَنَاحِي الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ، وَقَدْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِرِزْقِ كُلِّ مَخْلُوقٍ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَقَالَ تَعَالَىٰ:

﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [هود: 6].

فَالرِّزْقُ قِسْمَةٌ مَقْسُومَةٌ، وَنَصِيبٌ مَكْتُوبٌ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْكَ إِذَا كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَا أَنْ يَجْلِبَهُ إِلَيْكَ إِذَا لَمْ يُقَدَّرْ لَكَ.

وَلَكِنْ، مَعَ هَذَا الضَّمَانِ الْإِلٰهِيِّ، فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُحَاوِلُونَ أَنْ يُؤْذُوا غَيْرَهُمْ فِي أَرْزَاقِهِمْ، فَيُشِيعُونَ الْإِشَاعَاتِ الْبَاطِلَةَ، أَوْ يَسْعَوْنَ بِالنَّمِيمَةِ وَالْوِشَايَةِ لِإِضْرَارِ غَيْرِهِمْ، أَوْ يَسْرِقُونَ جُهُودَ الْآخَرِينَ وَيَنْسِبُونَهَا إِلَىٰ أَنْفُسِهِمْ. وَهٰذَا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ يَجْلِبُ صَاحِبَهُ الْوِزْرَ وَالْخُسْرَانَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

فِي الْحَقِيقَةِ، مَنْ يَسْعَىٰ فِي إِضْرَارِ غَيْرِهِ فِي رِزْقِهِ، فَإِنَّهُ يُجَاهِدُ فِي مَا لَا يَمْلِكُهُ، وَيُحَارِبُ أَمْرًا كَتَبَهُ اللَّهُ وَقَضَاهُ، وَكَمْ مِنْ شَخْصٍ ظَنَّ أَنَّهُ سَيَمْنَعُ الرِّزْقَ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا بِهِ يَفْقِدُ رِزْقَهُ نَفْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدَافِعُ عَنِ الْمَظْلُومِ، وَيَأْخُذُ بِحَقِّهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ:

»لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا« [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ].

فَكَيْفَ بِمَنْ يُرَوِّعُهُ فِي رِزْقِهِ وَيُزَعْزِعُ اسْتِقْرَارَهُ الْمَعِيشِيَّ؟

إِنَّ الْمُؤْمِنَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَسْعَىٰ فِي قَطْعِ الْأَرْزَاقِ، وَلَا يَكِيدُ لِغَيْرِهِ فِي مَعَاشِهِ، بَلْ يَرْضَىٰ بِمَا قَسَمَهُ اللَّهُ لَهُ، وَيَسْعَىٰ فِي الطَّلَبِ بِالْحَلَالِ، وَيُعِينُ غَيْرَهُ، فَيُبَارِكُ اللَّهُ لَهُ فِي مَالِهِ وَعَيْشِهِ.

فَلْيَحْذَرِ الْمَرْءُ أَنْ يُؤْذِيَ غَيْرَهُ فِي رِزْقِهِ، فَإِنَّ الظُّلْمَ دَاخِلٌ فِي كُلِّ مَا يُسَبِّبُ الضَّرَرَ لِلنَّاسِ، وَسَيَجِدُ كُلُّ ظَالِمٍ عَاقِبَةَ فِعْلِهِ، وَسَيُقَابِلُهُ اللَّهُ بِمِثْلِ مَا قَدَّمَ.

فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَرْزَاقِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَيْدِيكُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي يَدِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَمَنْ رَضِيَ بِرِزْقِهِ وَسَعَىٰ بِالْحَلَالِ، بَارَكَ اللَّهُ لَهُ وَزَادَهُ، وَمَنْ بَغَىٰ عَلَىٰ غَيْرِهِ، فَسَيَرُدُّ اللَّهُ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ.

 


نُصْرَةُ الإِنْسَانِ لِأَخِيهِ الإِنْسَانِ عَلَى الظُّلْمِ وَالكَذِبِ

 

نُصْرَةُ الإِنْسَانِ لِأَخِيهِ الإِنْسَانِ عَلَى الظُّلْمِ وَالكَذِبِ

 


الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

إنَّ نُصْرَةَ الإِنْسَانِ لِأَخِيهِ الإِنْسَانِ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الأُخُوَّةِ الإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا الإِسْلَامُ، وَتَتَجَلَّى فِي دَفْعِ الظُّلْمِ وَتَعْزِيزِ الحَقِّ.

ولقَدْ أَرْشَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ جَامِعٍ إِلَى مَفْهُومِ النُّصْرَةِ الحَقِيقِيَّةِ حِينَ قَالَ:

 "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا." فَسَأَلَهُ رَجُلٌ: "كَيْفَ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ ظَالِمًا؟" فَقَالَ: "تَحْجُزُهُ -أَوْ تَمْنَعُهُ- مِنَ الظُّلْمِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ."

يُبَيِّنُ هَذَا الحَدِيثُ أَنَّ النُّصْرَةَ لَيْسَتْ فِي تَأْيِيدِ الأَخِ عَلَى البَاطِلِ، بَلْ فِي مَنْعِهِ مِنْ اِرْتِكَابِ الظُّلْمِ، لِأَنَّ الظُّلْمَ يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِغَيْرِهِ وَيُهْلِكُ صَاحِبَهُ. وَإِنَّ مَنْعَ الظَّالِمِ مِنْ ظُلْمِهِ يَعُودُ عَلَيْهِ بِالفَائِدَةِ؛ إِذْ يُنْقِذُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُرْشِدُهُ إِلَى الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ.

عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ، نَصْرُ المَظْلُومِ يَكُونُ بِالْوُقُوفِ إِلَى جَانِبِهِ، وَمُؤَازَرَتِهِ بِالحَقِّ وَالعَدْلِ، وَبِرَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ وَالقَانُونِيَّةِ، دُونَ اللُّجُوءِ إِلَى الكَذِبِ أَوِ الخِدَاعِ.

إِنَّ مَظَاهِرَ نُصْرَةِ الأَخِ عَلَى الظُّلْمِ تَتَجَلَّى فِي النَّصِيحَةِ الصَّادِقَةِ، وَتَوْجِيهِهِ إِلَى الحَقِّ، وَتَحْذِيرِهِ مِنْ عَوَاقِبِ فِعْلِهِ، وَذَلِكَ يَحْفَظُ العَلاقَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ وَيُعَزِّزُ الأُخُوَّةَ وَالمَوَدَّةَ.

وَفِي الخِتَامِ، عَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَ أَنَّ نُصْرَةَ الإِنْسَانِ لِأَخِيهِ تُسْهِمُ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعٍ قَائِمٍ عَلَى القِيَمِ وَالمَبَادِئِ، وَأَنَّ الوُقُوفَ فِي صَفِّ الحَقِّ يَرْفَعُ مِنْ مَكَانَتِنَا عِنْدَ اللَّهِ، وَيَجْعَلُنَا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا وَالمَغْفِرَةِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَنْصُرُونَ الحَقَّ وَيَدْفَعُونَ الظُّلْمَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا المُسْلِمِينَ. آمِينَ.

وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبه: علاء دياب

فجر الأربعاء 22 من رجب 1446 الموافق 22 من يناير 2025

 

لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

 

لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

بقلم: عَلَاءُ دِيَابَ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإِكْثَارُ مِنْ قَوْلِ "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ تُقَرِّبُ الْعَبْدَ مِنْ رَبِّهِ، وَتُعِينُهُ عَلَى تَحَمُّلِ مَصَاعِبِ الدُّنْيَا وَمَشَاقِّهَا. فَإِذَا لَزِمَتَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، فَقَدْ أَلْقَيْتَ رُوحَكَ فِي أَيْدِي رَحْمَةِ اللَّهِ، وَعَلَّقْتَ قَلْبَكَ بِقُدْرَتِهِ وَعَطَائِهِ.

مَعْنَى لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

قَوْلُ "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" يَعْنِي الإِقْرَارَ بِضَعْفِ الْإِنْسَانِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْقِيقِ شَيْءٍ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ. فَهِيَ تَسْلِيمٌ تَامٌّ بِأَنَّ كُلَّ قُوَّةٍ أَوْ حَرَكَةٍ أَوْ دَفْعٍ لِلْمَصَاعِبِ إِنَّمَا هِيَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ.

فَضْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). وَفِي هَذَا تَأْكِيدٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ لَفْظٍ، بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ قَلْبِيَّةٌ تُعَبِّرُ عَنْ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالثِّقَةِ بِهِ.

التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ

فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَقُولُ فِيهَا "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"، تَسْتَحْضِرُ فِي قَلْبِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ وَلِيُّ أَمْرِكَ، وَأَنَّ تَدْبِيرَ أُمُورِكَ بِيَدِهِ، وَأَنَّهُ لَا خَيْرَ يَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ. فَهِيَ عِبَادَةٌ تُثَبِّتُ الْقَلْبَ وَتُزِيلُ الْهَمَّ، وَتُقَوِّي النَّفْسَ عَلَى مُوَاجَهَةِ كُلِّ بَلَاءٍ.

لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فِي الضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ

فِي الضَّرَّاءِ، تُعِينُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَى الصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ. وَفِي السَّرَّاءِ، تُذَكِّرُ الْعَبْدَ بِأَنْ كُلَّ نِعْمَةٍ هِيَ مِنْ عَطَاءِ اللَّهِ، فَيَزْدَادُ شُكْرًا وَتَوَاضُعًا.

الخَاتِمَةُ
فَلْنُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"، فَهِيَ كَلِمَةٌ تَجْمَعُ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَتَفْتَحُ أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضَا. وَلْنَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي كُلِّ أُمُورِنَا، فَإِنَّهُ وَلِيُّ أَمْرِنَا وَمُجِيبُ دُعَائِنَا.

—————————-

 

مساوئُ التَّعلُّمِ في المجموعاتِ

 



مساوئُ التَّعلُّمِ في المجموعاتِ

وفشلُ استراتيجياتِ التَّعلُّمِ الحديثةِ

في تعليمِ الطُّلَّابِ العَرَبِ

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إنَّ التَّعلُّمَ في المجموعاتِ يُعَدُّ مِنَ الطُّرُقِ الحديثةِ الَّتي انتشرت في المؤسَّساتِ التَّعليميَّةِ العربيَّةِ تحتَ مبرِّرِ تَطويرِ التَّعليمِ وتعزيزِ التَّفاعُلِ بينَ الطُّلَّابِ، إلَّا أنَّ هذهِ الطَّريقةَ لا تخلو مِنَ المساوئِ الَّتي تَجعلُها غيرَ مُجديةٍ في بَيئاتٍ تعليميَّةٍ مُحدَّدةٍ، ولا سيَّما في المُجتمَعاتِ العربيَّةِ الَّتي تُعاني مِن تَحدِّيَاتٍ خَاصَّةٍ في مَجالِ التَّعليمِ والتَّحفيزِ الذَّاتِيِّ للطُّلَّابِ.

 

أوَّلًا: المساوئُ الأساسيَّةُ لِلتَّعلُّمِ في المجموعاتِ

1)ضَعفُ مُشارَكَةِ الطُّلَّابِ ذَوي القُدراتِ المُتدنِّيَةِ

يَميلُ الطُّلَّابُ الضُّعفاءُ إلى الاعتمادِ على زُملائِهم دونَ بذلِ جُهدٍ حقيقيٍّ في التَّعلُّمِ، الأمرُ الَّذي يُؤدِّي إلى عدمِ استفادَتِهِم الفِعليَّةِ مِنَ المادَّةِ المُقدَّمَةِ.

2)تَفاقُمُ الفُروقِ الفَرديَّةِ

على الرَّغمِ مِن أنَّ التَّعلُّمَ في المجموعاتِ يَهدِفُ إلى تَعاوُنِ الطُّلَّابِ، إلَّا أنَّهُ في كثيرٍ مِن الأحوالِ يُؤدِّي إلى عَكسِ ذلكَ، حيثُ تَبقَى الفُروقُ الفَرديَّةُ واضحةً، ويَجدُ الطُّلَّابُ المُتميِّزونَ أنفُسَهُم يقومونَ بأغلبِ العَمَلِ، في حينِ يَقتصِرُ دورُ الآخَرينَ على المُتابَعَةِ السَّطحيَّةِ.

3)التَّشتُّتُ وَضعفُ التَّركيزِ

في بيئةٍ تعليميَّةٍ غيرِ مُهيَّأَةٍ بشكلٍ كافٍ، يُمكنُ أن يُؤدِّي التَّعلُّمُ في المجموعاتِ إلى التَّشتُّتِ بِسببِ الأحاديثِ الجانبيَّةِ، أو عدمِ التَّركيزِ على الهَدَفِ الأساسيِّ، مِمَّا يُضعِفُ فاعليَّةَ الدَّرسِ.

4)ضَعفُ المُحاسَبَةِ الفرديَّةِ

في كثيرٍ مِنَ الحالاتِ، لا يَتمكَّنُ المُعلِّمُ مِن قياسِ مدى فَهمِ كُلِّ طالبٍ على حِدَةٍ، إذ إنَّ النَّتائجَ الجماعيَّةَ قد تُخفي تَقصيرَ بعضِ الأفرادِ، وَبِالتَّالي يَصعُبُ تقييمُ المُستوى الحَقيقيِّ للطُّلَّابِ.


 ثانيًا: فَشَلُ استراتيجيَّاتِ التَّعلُّمِ الحديثةِ في تَعليمِ الطُّلَّابِ العَرَبِ

1. عدمُ مُلاءمَةِ الاستراتيجيَّاتِ لِلمُجتَمَعِ العربيِّ

تَستَنِدُ العديدُ مِنَ الاستراتيجيَّاتِ الحَديثةِ إلى بِيئاتٍ غَربيَّةٍ تَختلِفُ كُليًّا عن البِيئَةِ التَّعليميَّةِ العربيَّةِ، فالنِّظامُ التَّعليميُّ الغَربيُّ يُشجِّعُ الطُّلَّابَ مُنذُ الصِّغَرِ على البَحثِ الذَّاتِيِّ وَالتَّعلُّمِ المُستقلِّ، في حينِ يَميلُ الطُّلَّابُ العَرَبُ إلى الاعتمادِ الأكبرِ على المُعلِّمِ.

2. نَقصُ التَّجهيزاتِ والتَّدريبِ الكافِي

تتطلَّبُ بعضُ الاستراتيجيَّاتِ الحديثةِ وسائلَ تَعليميَّةً مُتطوِّرَةً وَمُعلِّمينَ مُدرَّبينَ على تَطبيقِها بِشكلٍ صحيحٍ، إلَّا أنَّ العديدَ مِنَ المُؤسَّساتِ التَّعليميَّةِ العربيَّةِ تُعانِي مِن ضَعفِ التَّجهيزاتِ وَقِلَّةِ الدَّوراتِ التَّدريبيَّةِ اللَّازمةِ لِتَطبيقِ هذهِ الطُّرُقِ بِفاعليَّةٍ.

3. ضَعفُ الحافِزِ الذَّاتِيِّ لَدى الطُّلَّابِ

يَفتقِرُ العديدُ مِن الطُّلَّابِ العَرَبِ إلى الدَّوافِعِ الذَّاتيَّةِ للتَّعلُّمِ وَالبَحثِ، فَبَينَما تَنجَحُ استراتيجيَّاتُ التَّعلُّمِ الحَديثةِ مَع الطُّلَّابِ الَّذينَ يَمتَلِكُونَ روحَ المُبادَرَةِ وَالتَّعلُّمِ الذَّاتِيِّ، إلَّا أنَّها تَفشَلُ مَع الطُّلَّابِ الَّذينَ اعتادُوا الأساليبَ التَّلقينيَّةَ وَيَحتاجُونَ إلى تَوجِيهٍ مُباشِرٍ مِن قِبَلِ المُعلِّمِ.

4. صُعوبَةُ تَطبيقِ التَّعلُّمِ القائمِ على المَشاريعِ

تُعتَبَرُ استراتيجيَّةُ التَّعلُّمِ القائمِ على المَشاريعِ مِنَ الأساليبِ المُعتمَدَةِ حَديثًا، إلَّا أنَّ تَطبيقَها في المَدارِسِ العربيَّةِ يُواجِهُ عَقَباتٍ عِدَّةً، مِثلَ نَقصِ المُوَاردِ، وكِبَرِ عَدَدِ الطُّلَّابِ في الصَّفِّ الوَاحِدِ، وَضَعفِ المُتابَعَةِ وَالتَّوجِيهِ الفرديِّ لِكُلِّ طالبٍ.

 

ثالثًا: الحَلولُ المُقترَحَةُ

1)تَكيِيفُ استراتيجيَّاتِ التَّعلُّمِ بِما يُناسِبُ الثَّقافَةَ وَالبِيئَةَ التَّعليميَّةَ العربيَّةَ، وَعدمُ نَقلِ الأساليبِ الغَربيَّةِ بِصُورَتِها الحَرفيَّةِ.

2)تَدريبُ المُعلِّمِينَ بِشَكلٍ مُكَثَّفٍ على أفضَلِ الطُّرُقِ لِتَطبيقِ التَّعلُّمِ في المَجموعاتِ بِصُورَةٍ تُحقِّقُ الفائِدَةَ لِكُلِّ الطُّلَّابِ.

3)مُراعاةُ الفُروقِ الفَرديَّةِ وَإيجادُ طُرُقٍ تُتيحُ التَّعلُّمَ الذَّاتِيَّ وَالتَّفاعُلَ الفَعَّالَ فِي الوَقتِ نَفسِهِ.

4)تَوفيرُ المُوَاردِ وَالبِنيةِ التَّحتِيَّةِ اللازِمَةِ لِتَطبيقِ الاستراتيجيَّاتِ الحَديثَةِ بِشَكلٍ سَليمٍ.


 خاتمَةٌ

يُظهِرُ الواقعُ التَّعليميُّ العَرَبِيُّ أنَّ التَّعلُّمَ في المَجموعاتِ وَتَبنِّي الاستراتيجيَّاتِ الحَديثَةِ دُونَ مُلاءمَتِها لِمُتطلَّباتِ الطُّلَّابِ وَبِيئَتِهِم، قَد يُؤدِّي إلى نَتائِجَ عَكسِيَّةٍ، وَبِالتَّالي فإنَّ التَّطويرَ الحَقيقيَّ يَتطلَّبُ فَهمًا أعمقَ لِحاجَاتِ الطُّلَّابِ وَمُراعاةَ السِّياقِ الثَّقافيِّ وَالتَّعليميِّ لَهم.

 

مشاركة مميزة

سلامٌ إليكِ

سلامٌ إليكِ                         شعر : علاء دياب سلامٌ إليكِ في كلِّ حيــــن فَأَنْتِ الحقيقةُ لو تُدركيــن وأنتِ ...