الثِّقَةُ
بِقُدْرَةِ اللهِ وَتَدْبِيرِهِ
بقلم: علاء دياب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هَوِّنْ عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنَّ مَا كَتَبَهُ اللهُ لَكَ سَيَصِلُ
إِلَيْكَ، وَمَا قَسَمَهُ لَكَ لَنْ يَتَجَاوَزَكَ، فَلَا قُوَّةَ فِي
السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ تَمْنَعُ نَفَاذَ أَمْرِهِ.
إِنَّ الإِيمَانَ بِقُدْرَةِ اللهِ الْمُطْلَقَةِ يُورِثُ الْقَلْبَ
طُمَأْنِينَةً، وَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ يَعِيشُ فِي حَالَةٍ مِنَ السَّلَامِ
النَّفْسِيِّ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ يَجْرِي بِقَضَاءِ اللهِ
وَقَدَرِهِ.
قَالَ تَعَالَى: ) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ
لَهُ كُنْ فَيَكُون( [يس: 82].
تَأْتِي هَذِهِ الْآيَةُ مُبَيِّنَةً قُدْرَةَ اللهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي
لَا تُعْجِزُهَا السَّمَاوَاتُ وَلَا الْأَرْضُ. فَإِذَا أَرَادَ اللهُ شَيْئًا،
وَإِنْ كَانَ فِي نَظَرِ النَّاسِ مُسْتَحِيلًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِإِذْنِهِ وَحُكْمِهِ.
إِنَّ الثِّقَةَ فِي تَدْبِيرِ اللهِ تَعَلِّمُنَا أَنْ نَصْبِرَ عَلَى
الْبَلَاءِ، وَأَنْ لَا نَتَعَجَّلَ الأُمُورَ، وَأَنْ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ
فِي كُلِّ شُؤُونِنَا. فَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ لَا يَعْنِي التَّوَاكُلَ أَوْ
الْإِعْرَاضَ عَنْ الْعَمَلِ، بَلْ هُوَ السَّعْيُ مَعَ الإِيمَانِ بِأَنَّ
النَّتَائِجَ بِيَدِ اللهِ وَحْدَهُ.
وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، جَاءَ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: " لَوِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَنْ
يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى
أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَنْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ
عَلَيْكَ " [رواه الترمذي]
شَرْحُ الْحَدِيثِ:
يُرَكِّزُ الْحَدِيثُ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ وَحُكْمِهِ الْمُطْلَقِ فِي
كُلِّ أُمُورِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَإِذَا عَلِمَ الْإِنْسَانُ أَنَّ النَّفْعَ
وَالضَّرَّ بِيَدِ اللهِ، تَحَقَّقَتْ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ عَظِيمَةٌ، وَنَشَأَ
عَنْهَا الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، كَمَا يُنَبِّهُ الْحَدِيثُ إِلَى
أَلَّا نَنْسَاقَ وَرَاءَ وَهْمِ أَنَّ الْبَشَرَ بِإِمْكَانِهِمْ تَحْقِيقُ مَا
لَا يُرِيدُهُ اللهُ أَوْ مَنْعُ مَا أَرَادَهُ.
لِذَلِكَ، عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَرْضَى بِقَضَاءِ اللهِ، وَأَنْ
يَسْعَى فِي مَا يَنْفَعُهُ، مُسْتَعِينًا بِرَبِّهِ، مُتَجَنِّبًا الْعَجْزَ
وَالْقُنُوطَ. وَإِنْ وَاجَهَ الْإِنْسَانُ بَلَاءً أَوْ مَحْنَةً، فَعَلَيْهِ
أَنْ يُدْرِكَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ، وَأَنْ يَقُولَ كَمَا أَرْشَدَ
النَّبِيُّ ﷺ:
"قَدَّرَ
اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ".
الثِّقَةُ
تَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ:
لَيْسَ الْإِيمَانُ بِقُدْرَةِ اللهِ عُذْرًا لِلتَّقَاعُسِ عَنْ
الْعَمَلِ. فَالْمُؤْمِنُ يُؤْمِنُ أَنَّ النَّتَائِجَ مَكْتُوبَةٌ، لَكِنَّهُ
مَأْمُورٌ بِالسَّعْيِ وَالْبَذْلِ. قَالَ تَعَالَى:
) وَقُلِ اعْمَلُوا
فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ( [التوبة:
105]
وَفِي الْخِتَامِ عَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَ أَنَّ مَا كَتَبَهُ اللهُ لَنَا
هُوَ الْخَيْرُ، وَأَنْ نُوَظِّفَ إِيمَانَنَا بِقُدْرَةِ اللهِ لِتَجْدِيدِ
الْعَزِيمَةِ فِي طَاعَتِهِ، وَالسَّعْيِ فِي الْحَيَاةِ بِتَفَاؤُلٍ وَيَقِينٍ.
فَثِقْ بِرَبِّكَ، وَاعْمَلْ، وَارْضَ بِحُكْمِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا عِنْدَ
اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق