الصَّبْرُ: فَضْلُهُ وَفَوَائِدُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
بقلم: علاء دياب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصَّبْرُ هُوَ
أَسَاسُ الإِيمَانِ وَدَعَامَةُ السَّلَامِ الدَّاخِلِيِّ لِلإِنْسَانِ.
فَالصَّابِرُ يَتَمَتَّعُ بِالرِّضَا وَالطُّمَأْنِينَةِ فِي الدُّنْيَا،
وَيَسْتَحِقُّ أَجْرًا عَظِيمًا فِي الآخِرَةِ وَالصَّبْرُ يَفْتَحُ أَبْوَابَ
النَّصْرِ وَالتَّغْيِيرِ، وَيَمْنَحُ الإِنْسَانَ الْقُدْرَةَ عَلَى تَخَطِّي
أَصْعَبِ اللَّحَظَاتِ بِثَبَاتٍ وَيَقِينٍ. وَمَا أَعْظَمَ أَجْرَ الصَّابِرِينَ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
) إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( [سُورَةُ الزُّمَرِ: 10]
والصَّبْرُ
لَيْسَ مُجَرَّدَ انْتِظَارٍ، بَلْ هُوَ قُوَّةُ الرُّوحِ فِي مُوَاجَهَةِ
الْمَصَاعِبِ، وَهُوَ السِّلَاحُ الَّذِي يُحَوِّلُ الأَلَمَ إِلَى قُوَّةٍ.
الصَّبْرُ فِي الإِسْلَامِ لَهُ مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ
)إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(
[سُورَةُ
البَقَرَةِ: 153]
أَنْوَاعُ
الصَّبْرِ وَأَمْثِلَةٌ مِنْ صَبْرِ الأَنْبِيَاءِ
الصَّبْرُ
عَلَى الْمَرَضِ
الصَّبْرُ عَلَى
الْمَرَضِ هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ الَّتِي يَبْتَلِي اللَّهُ بِهَا
عِبَادَهُ. فَالْمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَرَضَ هُوَ تَطْهِيرٌ لِلذُّنُوبِ
وَرَفْعٌ لِلدَّرَجَاتِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَا
يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا
أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا
مِنْ خَطَايَاهُ " [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
الصَّبْرُ
عَلَى الْفَقْرِ
الصَّبْرُ عَلَى
الْفَقْرِ يَتَطَلَّبُ قُوَّةَ إِيمَانٍ وَرِضًا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ؛
فَالْمُؤْمِنُ يَثِقُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ، وَأَنَّ الْفَرَجَ قَادِمٌ.
قَالَ تَعَالَى:
)وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ(
[سُورَةُ
الطَّلَاقِ: 2-3]
الصَّبْرُ
عَلَى الزَّوْجَةِ
الصَّبْرُ عَلَى
الزَّوْجَةِ هُوَ مِنْ أَشْرَفِ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ، خَاصَّةً إِذَا احْتَاجَتْ
إِلَى إِصْلَاحٍ أَوْ تَفَهُّمٍ. فَالرَّجُلُ الصَّالِحُ يَعْلَمُ أَنَّ
الزَّوْجَةَ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِهِ، وَيَسْتَحْضِرُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَوْصُوا
بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
الصَّبْرُ
عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ
طَلَبُ
الْعِلْمِ يَحْتَاجُ إِلَى صَبْرٍ عَظِيمٍ، فَالصَّبْرُ عَلَى الْمَشَقَّاتِ فِي
طَلَبِ الْعِلْمِ يُؤَدِّي إِلَى نَوَالِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا. قَالَ الإِمَامُ
الشَّافِعِيُّ:
أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلّا بِسِتَّةٍ سَأُنبيكَ
عَن تَفصيلِها بِبَيانِ
ذَكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ وَبُلغَةٌ وَصُحبَةُ أُستاذٍ وَطولُ زَمانِ
الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ
كَمَا فِي الْمُثَابَرَةِ عَلَى أَدَاءِ العِبَادَاتِ.
الصَّبْرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ
كَمَا صَبَرَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى
فِتْنَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ: )مَعَاذَ اللَّهِ( [سُورَةُ يُوسُفَ: 23]
الصَّبْرُ عَلَى أَذَى القَوْمِ
كَمَا صَبَرَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْفَ
سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، وَصَبَرَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى أَذَى قُرَيْشٍ، حَتَّى جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ.
فَوَائِدُ
الصَّبْرِ فِي الدُّنْيَا
الصَّبْرُ
يَعِينُ الإِنْسَانَ عَلَى تَحَمُّلِ المَصَاعِبِ وَتَجَاوُزِ المِحَنِ، فَمَنْ
صَبَرَ عَلَى الْبَلَاءِ أَوْ الْفَقْرِ أَوْ الْمَرَضِ، نَالَ ثَوَابَ اللَّهِ
وَفَرَجَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ.
فَوَائِدُ
الصَّبْرِ فِي الآخِرَةِ
والصَّابِرُونَ
يُجْزَوْنَ فِي الآخِرَةِ بِدُخُولِ الجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ. قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يَدْخُلُ
أَقْوَامٌ الْجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ... هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ
وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]
لِذَلِكَ،
فَالصَّبْرُ هُوَ دُرَّةُ الإِيمَانِ وَسَبِيلُ النَّجَاحِ فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ، وَالصَّبْرُ هُوَ مِفْتَاحُ الْفَرَجِ، وَبِهِ يَرْتَقِي الْمُؤْمِنُ
فِي دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ. فَمَنْ صَبَرَ فَازَ، وَمَنْ جَزِعَ خَسِرَ.
وَعَلَى
الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَحَلَّى بِالصَّبْرِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ
لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ.
فَلْنَصْبِرْ
وَلْنَحْتَسِبْ، فَإِنَّ بَعْدَ كُلِّ عُسْرٍ يُسْرًا، وَلْنَتَّخِذِ الصَّبْرَ شِعَارًا لَنَا فِي
حَيَاتِنَا، وَنَسْتَشْعِرْ أَنَّ مَعَ الصَّبْرِ يَأْتِي الْفَرَجُ، وَمَعَ كُلِّ
مِحْنَةٍ هُنَاكَ مِنْحَةٌ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق