الثلاثاء، 4 مارس 2025

الصَّبْرُ

 


الصَّبْرُ

بقلم: علاء دياب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إنْ صَبَرْتُمْ أُجِرْتُمْ.. وَأَمْرُ اللهِ نَافِذٌ..

وَإِنْ ضَجِرْتُمْ كَفَرْتُمْ.. وَأَمْرُ اللهِ نَافِذٌ..

 

إِنَّ هَذِهِ المَقُولَةَ تُلَخِّصُ حَقِيقَةً عَظِيمَةً مَضْمُونُهَا أَنَّ أَمْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُرَدُّ وَلَا يُعَطَّلُ، وَأَنَّ القَضَاءَ مَاضٍ بِمَا شَاءَ سُبْحَانَهُ، سَوَاءٌ رَضِيَ العَبْدُ أَمْ سَخِطَ. وَلَكِنَّ الفَرْقَ يَكْمُنُ فِي مَوْقِفِ العَبْدِ نَفْسِهِ؛ فَإِنْ كَانَ الصَّبْرُ مَوْقِفَهُ، كَانَتِ النَّتِيجَةُ أَجْرًا وَرِضْوَانًا، وَإِنْ كَانَ السَّخَطُ مَوْقِفَهُ، كَانَتِ النَّتِيجَةُ غَضَبًا وَخُسْرَانًا.

الصَّبْرُ فِي الإِسْلَامِ

الصَّبْرُ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الدِّينِ الإِسْلَامِيِّ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ. قَالَ تَعَالَى: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]. فَالصَّبْرُ لَيْسَ مَجَرَّدَ تَحَمُّلٍ لِلشَّدَائِدِ، بَلْ هُوَ إِظْهَارٌ لِلرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَإِيمَانٌ عَمِيقٌ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ.

وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْقَى الأَمْثِلَةِ فِي الصَّبْرِ. فَعِنْدَمَا فَقَدَ ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: “إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا عَلَى فِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ” [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].

السَّخَطُ وَعَوَاقِبُهُ

عَلَى النَّقِيضِ، فَإِنَّ السَّخَطَ وَالتَّذَمُّرَ يُؤَدِّيَانِ إِلَى الكُفْرِ بِنِعَمِ اللهِ، وَعَدَمِ الرِّضَا بِقَضَائِهِ. قَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ) [الحج: 11].

السَّاخِطُ يَتَعَامَلُ مَعَ المِحْنِ وَالمَصَائِبِ عَلَى أَنَّهَا ظُلْمٌ أَوْ عُقُوبَةٌ، وَيَنْسَى أَنَّهَا امْتِحَانٌ لِلصَّبْرِ وَرِضًا لِلرَّبِّ. وَهَذَا يُبْعِدُهُ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ.

الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ

إِنَّ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ هُوَ جَوْهَرُ الإِيمَانِ وَكَمَالُهِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عَجَبًا لِأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ” [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

إِذَنْ، إِنَّ القَضَاءَ وَالقَدَرَ مَاضِيَانِ بِمَا شَاءَ اللهُ، وَلَكِنَّ المَكْسَبَ وَالخُسْرَانَ يَعُودَانِ إِلَى مَوْقِفِ العَبْدِ. فَإِنْ صَبَرَ كَانَ لَهُ الأَجْرُ وَالرِّضْوَانُ، وَإِنْ ضَجِرَ كَانَ لَهُ الغَضَبُ وَالخُسْرَانُ. فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُرْزُقَنَا الصَّبْرَ وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

————-

كتبه: علاء دياب

الأربعاء 22من يناير 2025

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

سلامٌ إليكِ

سلامٌ إليكِ                         شعر : علاء دياب سلامٌ إليكِ في كلِّ حيــــن فَأَنْتِ الحقيقةُ لو تُدركيــن وأنتِ ...